کد مطلب:187334 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:244

و سلاحه البکاء (30)
مثلما تشب النار فی أكوام التبن، اشتعل حریق الثورة فی الكوفة مدینة من رماد فی طوایاها جذوة نار أوقدها رجل هوی علی شاطئ الفرات ككوكب دری.

دوت شعارات الثورة فی لیلة خریفیة عاصفة... و استیقظ النائمون علی صیحات الثائرین: یا لثارات الحسین.

و فرت الرؤوس المطلوبة، و تساقط بعضها كما تتساقط الثمار الفاسدة.

سقط رأس ابن سعد، فیما فر شبث الی البصرة الی أحضان ابن الزبیر، و فر أثره الأبرص لا یلوی علی شی ء.

و انطلقت خیول عربیة تبحث عن الذین كفروا انهم لا ایمان لهم.

أحاطت الخیول بخیمة فی «الكلتانیة» و خرج الأبرص مرعوبا بیده رمح.

حانت لحظة القصاص؛ و سقطت ثمرة فاسدة، و عادت الخیول تزف البشری الی القلوب المقهورة.



[ صفحه 113]



طارت الأنباء الی المدن القریبة و البعیدة كفراشات ملونة تبشر بالربیع.

كان «قصر الامارة» الذی شهد آلاف الجرائم قد حولته الثورة الی محكمة كبری للاقتصاص من المجرمین.

دخل المنهال الذی عاد توا من رحلة الحج قصر الامارة یبلغه تحیات أهل بیت مقهور.

كان الجنود یجرون رجلا تكاد حدقتاه تفران رعبا.

نظر المختار الیه بغضب:

- أنت حرملة بن كاهل؟

- أجل.

قال بلهجة ساخرة:

- اذن حدثنا عن شجاعتك یوم «الطف».

أطرق الرجل الفأر رأسه:

- كان الحسین یحمل طفله الرضیع و یطلب من الجیش قطرة ماء.. فلقد جف لبن امه من العطش و الظمأ و الحصار.

- و هل سقیتموه.

- كلا.

- ألم یكن معكم ماء؟

- كان الفرات یموج بالمیاه.

- ماذا فعلت یا رجس؟



[ صفحه 114]



- من بعید بدت رقبة صغیرة تتألق فی الضوء، كانت ناصعة كالقطن. وضعت سهما فی كبد القوس. كان السهم حادا نفاذا ذبح الطفل من الورید الی الورید.. و هكذا أراد ابن سعد.

- ماذا صنع الحسین فی تلك اللحظة؟

- نظر الی الطفل ثم ملأكفه من الدماء المتدفقة و رمی بها نحو السماء.. و هتف بصوت سمعه الكثیرون..

- ماذا قال یا وغد؟

- كان ینظر الی السماء و كأنه یخاطب ملكا عظیما. هتف عالیا: اللهم لا یكون أهون علیك من فصیل ناقة صالح.

دمعت كل العیون.

كان «المنهال» یبكی بصمت و قد اشتعل غضب مقدس فی الأعماق.. حتی نسی كل ما یدور حوله.. انتبه الی نفسه علی صوت غاضب:

- الحدید و النار.. اقطعوا یدیه و رجلیه و القوه فی النار. كذلك جزاء المجرمین.

فغر المنهال فمه دهشة و هو ینظر الی ما یجری حوله فهتف:

- سبحان الله.. سبحان الله.

التفت المختار:

- التسبیح حسن ولكن لم سبحت؟

- لما ذهبت الی المدینة بعد الحج مررت بمنزل علی بن الحسین..



[ صفحه 115]



كانت الدموع تملأ عینیه فسألنی: ما فعل حرملة بن كاهل؟ قلت له یا سیدی تركته بالكوفة حیا.

فرفع یدیه الی السماء و تضرع بصوت شجی قائلا:

اللهم أذقه حر الحدید اللهم أذقه حر النار.. و ها أنا أمامی كیف تجاب دعوة عبد صالح..

هتف المختار مأخوذا:

- الله.. الله أسمعت علی بن الحسین یقول هذا؟!

- الله... الله لقد سمعته یقول هذا.. و الله ان كلماته ما تزال تتردد فی اذنی.

و هوی المختار ساجدا لله..

قال المنهال متوددا:

- ألا تتغدی عندی الیوم أیها الأمیر.

تمتم و قد غمرت وجهه مسحة شفافة من النور:

- هذا یوم صوم شكر لله.



[ صفحه 116]